القصيدة الهائية - 5 لبريل 2017
2021-10-23 604
في مقال سابق تكلمت عن أدب الرحلات، وما دوّنه الحجاج والمعتمرون خلال أدائهم مناسك الحج والعمرة، وزيارة مسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكانت قصيدة ابن رشيد البغدادي الهائية المسماة (الذهبية في الحجة المكية والزورة المحمدية) مثال على ذلك النوع من الأدب، وفيها بيّن ابن رشيد حُبه وشوقه لحج بيت الله الحرام، وزيارة مسجد نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وفضل الشاعر بحر الشعر الطويل لأنه يسير على هواه وسجيته دون التعلق بالأساليب المتكلفة التي قد تحيد به عن بساطته ووضوح كلامه، ومن أجمل الملاحظات أن الناظم لم يفت عنه الإشارة في بعض الأبيات لآية قرآنية، أو حديث نبوي شريف، ومن هذه الأبيات:
ففي ربعهم لله بيت مبارك
إليه قلوب الناس تهوي ونهواه
* ومنها قوله:
وسرنا نشق البيد للبلد الذي
بجهد وشقللنفوس بلغناه
رجالا وركبانا على كل ضامر
ومن كل فجمقفر قد أتيناه
فنادى بنا أهلا ضيوفي تباشروا
وقروا عيونافالحجيج أضفناه
* ومنها قوله:
على عرفات الله قد وقفنابموقف
به الذنب مغفور وفيه محوناه
وقد أقبل الباري علينابوجهه
وقال: أبشروا فالعفو فيكم نشرناه
فظل حجيج الله لليلواقفا
فقيل: انفروا فالكل منكم قبلناه
أفيضوا وأنتم حامدون إلهكم
إلى مشعر جاء الكتاب بذكراه
وفيه جمعنا مغربا لعشائنا
ترىعابد جمع بجمع جمعناه
ونحو منى ملنا بها كان عيدنا
ونلنا بها ما القلب كان تمناه
وفيها رمينا للعقاب جمارنا
ولا جرم إلا مع جمار رميناه
وردت إلى البيت الحراموفودنا
رجعنا لها كالطير حن لمأواه
ومن بعد ما زرنا دخلناه دخلة
كانا دخلنا الخلد حين دخلناه
ونجد أيضا أن القصيدة فيها المصطلح المعروف بالنفر، والذي يعني الانطلاق من عرفات إلى المشعر الحرام: المزدلفة حيث جمع بين المغرب والعشاء وتفرغ لالتقاط الجمرات وبعدها الذهاب إلى منى، وقد عبر عن فرحته الكبرى مفتخرًا بقضاء العيد وبعدها العقبات الثلاث لرمي الجمرات ثم العودة إلى المسجد الحرام مشبّهًا الحجاج بأنهم كالطيور التي تحن لمأواها ثم طواف الإفاضة. وتجدر الإشارة إلى أن ابن رشيد سجل قصة هامة أثناء حجته قلما تتحقق لحاج، وهي الدخول إلى داخل الكعبة وسطرها في جملة من الأبيات تشير إلى الآية الكريمة (ومن دخله كان آمنا)، إضافة إلى تعلقه بالملتزم والركن اليماني ومقام إبراهيم عليه السلام، والشرب من ماء زمزم، وختم بالسعي بين الصفا والمروة على نحو ما جاء في الأثر، وبعدها حكى عن الرحيل عن البيت الحرام وآثاره بذكر طواف الوداع الذي هو آخر مناسك الحج، وآخر عهد الحاج بالبيت الحرام.